الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومعنى قوله: وأحد من السيف: أن الأمر الدقيق الذي يصعد من عند الله تعالى إلى الملائكة في إجازة الناي على الصراط يكون في نفاذ حد السيف ومضيه إسراعًا منهم إلى طاعته وامتثاله. ولا يكون له مرد كما أن السيف إذا نفذ بحدة وقوة ضاربة في شيء لم يكن له بعد ذلك مرد.وإما أن يقال: إن الصراط نفسه أحد من السيف وأدق من الشعر، فذلك مدفوع بما وصف من أن الملائكة يقومون بجنبيه وأن فيه كلاليب وحسكًا أي أن من يمر عليك يقع على بطنه، ومنهم من يزل ثم يقوم. وفيه أن من الذين يمرون عليه من يعطى النور بقدر موضع قدميه. وفي ذلك إشارة إلى أن للمارين عليه موطئ الأقدام ومعلوم أن رقة الشعر لا يحتمل هذا كله. وقال بعض الحفاظ: إن هذه اللفظة ليست ثابتة.قال المؤلف: ما ذكره القاتل مردود بما ذكرنا من الأخبار، وأن الإيمان يجب بذلك. وأن القادر على إمساك الطير في الهواء قادر على أن يمسك عليه المؤمن فيجزيه أو يمشيه ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند الاستحالة ولا استحالة في ذلك، للآثار الواردة في ذلك وثباتها بثقل الأئمة العدول ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.؟وعن يحيى بن اليمان: رأيت رجلًا نام وهو أسود الرأس واللحية شاب يملأ العين، فرأى في منامه كأن الناس قد حشروا، وإذا بنهر من نار، وجسر يمر الناس عليه، فدعى فدخل الجسر، فإذا هو كحد السيف يمر يمينًا وشمالًا، فأصبح أبيض الرأس واللحية.فصل:أحاديث هذا الباب تبين لك معنى الورود المذكور في القرآن في قوله عز وجل: {وإن منكم إلا واردها}.روي عن ابن عباس وابن مسعود وكعب الأحبار أنهم قالوا: «الورود المرور على الصراط». رواه السدي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.وذكر أبو بكر النجاد، سلمان قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة السليطي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي قال: حدثنا سليم بن منصور بن عمار قال: حدثني أبي منصور بن عمار قال: حدثني بشر بن طلحة الخزامي، عن خالد بن الدريك، عن يعلى منبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي» وقيل: الورود الدخول. روي عن ابن مسعود وعن ابن عباس أيضًا وخالد بن معدان وابن جريج وغيرهم، وحديث أبي سعيد الخدري نص في ذلك على ما يأتي، فيدخلها العصاة بجرائمهم، والأولياء بشفاعتهم.وروي عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الورد الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}».وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان عن رجل عن خالد بن معدان قال: قالوا ألم يعدنا ربنا أنا نرد النار فقال: إنكم مررتم بها وهي خامدة. قال ابن المبارك وأخبرنا سعيد الجيزي عن أبي الليل، عن غنيم، عن أبي العوام، عن كعب أنه تلا هذه الآية: {وإن منكم إلا واردها} قال: هل تدرون ما ورودها؟ قالوا: الله أعلم. قال: فإن ورودها أن يجاء بجهنم وتمسك للناس كأنها متن إهالة حتى إذا استقرت عليها أقدام الخلق برهم وفاجرهم نادى مناد: أن خذي أصحابك، وذرى أصحابي. فتخسف بكل ولي لها. لهي أعلم بهم من الوالد بولده وينجو المؤمنون.وقال مجاهد: ورود المؤمنين هو الحمى التي تصيب المؤمن في دار الدنيا وهي حظ المؤمن من النار فلا يردها. وأسند أبو عمر بن عبد البر في ذلك حديثًا في التمهيد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضًا من وعك به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبشر فإن الله تعالى يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار».وقالت طائفة: الورود النظر إليها في القبر فينجي منها الفائز، ويصلاها قدر عليه دخولها، ثم يخرج منها بالشفاعة أو بغيرها من رحمة الله تعالى، واحتجوا بحديث ابن عمر: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي...» الحديث. وقيل: المراد بالورود الإشراف على جهنم والإطلاع عليها والقرب منها. وذلك أنهم يحضرون موضع الحساب وهو بقرب جهنم فيرونها وينظرون إليها في حالة الحساب، ثم ينجي الله الذين اتقوا مما نظروا إليه، ويصار بهم إلى الجنة ونذر الظالمين أي يؤمر بهم إلى النار، قال الله تعالى: ولما ورد ماء مدين أي أشرف عليه لا أنه دخله وروت حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية قال: فقلت يا رسول الله: وأين قول الله عز وجل: {وإن منكم إلا واردها} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ثم ننجي الذين اتقوا}» خرجه مسلم من حديث أم مبشر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حفصة. الحديث.وقيل: الخطاب للكفار في قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها روى وكيع، عن شعبة، عن عبد الله بن السائب، عن رجل، عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل: {وإن منكم إلا واردها} قال: هذا خطاب للكفار. وروي عنه أنه كان يقرأ {وإن منهم} ردًا على الآيات التي قبلها من الكفار قوله: {فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم} {وأيهم أشد} {ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم}. وكذلك قرأ عكرمة وجماعة. وقالت فرقة: المراد منكم: الكفرة. والمعنى: قل لهم يا محمد وإن منكم. وقال الجمهور: المخاطب العالم كله ولابد من ورود الجميع وعليه نشأ الخلاف في الورود كما ذكرنا والصحيح أن الورود: الدخول لحديث أبي سعيد كما ذكرنا.وفي مسند الدرامي أبي محمد، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشد الرجل في مشيه». وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم» خرجه الأئمة. قال الزهري كأنه يريد هذه الآية {وإن منكم إلا واردها} ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده، وهذا يبين لك ما ذكرناه لأن المسيس حقيقته في اللغة المماسة إلا أنها تكون بردًا وسلامًا على المؤمنين وينجون منها سالمين، قال: خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يقل ربنا إنا نرد النار؟ فيقال: قد وردتموها فلقيتموها رمادًا.قلت: والذي يجمع شتات الأقوال: أن يقال إن من وردها، ولم تؤذه بلهبها وحرها فقد أبعد عنها ونجي منها، نجانا الله منها بفضله وكرمه، وجعلنا ممن وردها سالمًا، وخرج منها غانمًا.وروي ابن جريج عن عطاء قال: قال أبو راشد الحروري لابن عباس لا يسمعون حسيسها فقال له ابن عباس: أمجنون أنت؟ فأين قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها وقوله: فأوردهم النار وقوله: إلى جهنم وردًا. ولقد كان من دعاء من مضى اللهم أخرجني من النار سالمًا وأدخلني الجنة فائزًا.وقد أشفق كثير من العلماء من تحقق الورود، والجهل بالصدر، كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه يقول: ليت أمي لم تلدني فتقول له امرأته: يا أبا ميسرة إن الله قد أحسن إليك وهداك إلى الإسلام، قال: أجل ولكن الله قد بين لنا أنا واردوا النار ولم يبين لنا أنا صادرون.وعن الحسن قال: قال رجل لأخيه أي أخي هل أتاك أنك وارد النار؟ قال: نعم قال: فهل أتاك أنك خارج منها؟ قال: لا. قال: ففيم الضحك إذًا؟ قال: فما رئي ضاحكًا حتى مات.وروي عن ابن عباس أنه قال في هذ المسألة لنافع بن الأزرق الخارجي: أما أنا وأنت فلابد أن يدرها فأما أنا فينجيني الله منها وأما أنت فما أظنه ينجيك.وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي عاصم قال: بكى ابن رواحة فبكت امرأته فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: بكيت حين رأيتك تبكي. فقال عبد الله: إني علمت أني وارد النار فما أدري أناج منها أم لا؟ وفي معناه قيل:
|